الأدلة المختلف فيها : (الاستصحــاب)

المقال

الأدلة المختلف فيها : (الاستصحــاب)

28228 | 25/12/2009
الاستِصْحَابُ
في اللغة : استفعال من الصحبة , والصحبة هي المعاشرة والملازمة وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه .
والألف والسين والتاء تفيد الطلب .
وفي الاصطلاح :
أفضل تعريف هو تعريف عبد العزيز البخاري صاحب كشف الأسرار :
هو : (( الحكم بثبوت أمر في الزمن الثاني ، بناءً على ثبوته في الزمن الأول ؛ لفقدان ما يصلح للتغيير )) .
______________________
مثال : دعوى على عبد الرحمن بـ 1000 ريال .
( والاستصحاب يستعمل هنا )
الزمن الأول : قبل الدعوى الحكم فيه [ براءة الذمة > السبب : هذا هو الأصل .
الزمن الثاني بعد الدعوى الحكم فيه [ براءة الذمة > السبب : فقدان ما يصلح للتغيير

فحكمنا على الزمن الثاني كحكمنا على الزمن الأول ؛ لفقدان ما يصلح للتغيير - وهذا تطبيق عملي على -الاستصحاب-
_______________
مثال آخر : المتيمم إذا رأى الماء أثناء الصلاة ( والاستصحاب يستعمل هنا )
الزمن الأول : قبل الرؤية الحكم فيه [ صحة صلاته > السبب : هذا هو الأصل .
الزمن الثاني : بعد الرؤية الحكم فيه [ ::::::::::::: > السبب: فقدان ما يصلح للتغيير .


الاستصحاب المقلوب عند المالكية : يمثلون له بالوقف . فإذا وُجد في وقف معين أن ريعه في الوقف الحاضر لطلاب العلم ولا ندري عن الزمن الأول لمن كان ريعه فنستصحب الزمن الثاني إلى الزمن الأول فكما أنه في الزمن الحاضر لطلاب العلم فهو في الزمن الماضي لطلاب العلم.
ومن أدعى على المؤجر عدم إيصال المال للمحل المؤجر فإننا ننظر في الوقت الحاضر ويسحب على الماضي .
* تعريف آخر للاستصحاب : الاستدلال بعدم الدليل على نفي الحكم .

*نفي الدليل الموجب للحكم: إما أن يكون قطعيا مثل عدم وجود صلاة سادسة وعدم وجوب صيام شوال .
وقد يكون ظنيا كنفي وجوب الوتر إذا نظرنا إلى قول الموجبين...

*متى لا يصار إلى الاستصحاب ؟؟ إذا وُجِدَ ما يصلح للتغيير ؛ وقوله (يصلح): لأن هناك ما يتوهم أنها تصلح للتغيير وهي ليست صالحة .
*تقسيم الاستصحاب :
الناظر في تقسيم الاستصحاب من حيث الاجمال يرى أنه أما استصحاب دليل عقلي ، أو استصحاب دليل شرعي .
وفيما يلي سنذكر أربعة أنواع :
**النوع الأول / استصحاب العدم الأصلي , أو النفي الأصلي أو البراءة الأصلية ، أو دليل العقل .
مثل : عدم وجوب صلاة سادسة , وعدم وجوب صيام شهر شعبان .
مثال فقهي : الخارج من السبيلين :
القول الأول : لا ينقض الشافعية والمالكية .
قال النووي : "لا يوجد دليل يرفع الأصل وهو عدم النقض" .
القول الثاني : ينقض عند الحنفية،وفرق الحنابلة بين القليل والكثير .
حكم هذا النوع : نقل الإجماع على العمل به ، وإذا أطلق الاستصحاب غالبا فإنه ينصرف إلى هذا النوع .

** النوع الثاني / استصحاب دليل الشرع : فيستصحب العموم حتى يرد التخصيص ، ويستصحب النص إلى أن يرد النسخ .
مثال : " اقتلوا المشركين " :
عامة في كل مشرك فلو لم يرد تخصيص لعمل بها في الزمن الثاني على عمومها استصحاباً للعموم الشرعي ، لكن لم نستصحب ههنا في بعض أفراد المشركين في الزمن الثاني لورود التخصيص من قبل الشارع بمنع قتل الذمي المعاهد والمستأمن والأطفال والنساء والعبّاد .
وفي نسخ الوصية للوارث الذي منعنا من استصحابها في الزمن الثاني .
حكم هذا النوع : جمهور الأصوليين على أنه من قبيل الاستصحاب .
وذهب بعض المحققين -كالجويني وابن السمعاني- : إلى أنه من قبيل دلالة النص والدلالة اللفظية وليس من الاستصحاب في شيء .
وهو لا خلاف في وجوب العمل به ، ونقل هذا الإجماع الزركشي في البحر المحيط .
** النوع الثالث / استصحاب حكم دلَّ الشرع على ثبوته ودوامه واستمراره ؛ لوجود سببه .
كاستصحاب " الملك " عند سببه وهو البيع – مثلاً- فلا ترتفع الملكية إلا بدليل جديد يغير الأصل المستصحب .
وكشغل الذمة بالإتلاف والالتزام .
حكم هذا النوع : نقل الزركشي فيه الإجماع [ على وجوب العمل به >

** النوع الرابع / استصحاب الإجماع في محل النزاع .
مثل مسألة : أم الولد " بيعها "
الزمن الأول : قبل استيلادها يجوز بيعها بالإجماع .
الزمن الثاني : بعد استيلادها بالاستصحاب : يجوز بيعها .
ومثــــــــل : المتيمم إذا رأى الماء أثناء الصلاة .
الزمن الأول : قبل رؤية الماء صلاته صحيحة بالإجماع .
الزمن الثاني : بعد رؤية الماء أثناء الصلاة بالاستصحاب لحكم الاجماع : تصح .
مثل : الخارج من غير السبيلين :
الزمن الأول : توضأ و لم يخرج منه خارج صحيحة صلاته بالإجماع .
الزمن الثاني : بعد خروج شيء منه خارج السبيلين -بالاستصحاب : تصح صلاته
مثال : الدباغ
الزمن الأول : قبل الدباغ [ لا يجوز إجماعاً >
الزمن الثاني : بعد الدباغ [ لا استصحاب لوجود الدليل على أن هذا الوصف مؤثر >
* حكم هذا النوع :
اختلفوا فيه على قولين :
1/ قول الجمهور : ليس بحجة وهو قول الجمهور.
2/ أنه حجة ، ذكر الزنجاني أنه مذهب الشافعي وهو قول المزني , والصيرفي والآمدي , وابن القيم , وابن مفلح , وابن الحاجب , والشوكاني , وقبلهم داود الظاهري .

- دليل المثبتين لحجية هذا النوع قالوا : إن تغير الأزمنة والأمكنة والاشخاص لا يؤثر في الاستصحاب فكذلك تغير الوصف والحال لا يؤثر حتى يقوم دليل من الشارع يبين أن ذلك الوصف مؤثر باعتباره ناقلا لحكمه ومثبت لضده ،أما مجرد النزاع الحادث لا يرفع ما ثبت من الحكم .

- دليل المانعين :

1- أن الإجماع إنما كان على الصفة التي قبل محل النزاع أما بعدها فلا إجماع يستصحب ؛ لأنه لا جماع أصلاً.
والاستصحاب إنما يكون لأمر ثابت فيستصحب ثبوته أو لأمر منتف ييستصحب نفيه أما هنا فلا إجماع ثابت حتى يستصحب .
الجواب : غاية دليلكم هذا نفي الإجماع في محل النزاع وهذا مسلم ونحن إنما أثبتنا واستصحبنا حال المجمع عليه حتى يثبت ما يزل هذا الاستحصاب وهو الدليل الناقل .
2- كما أنه لا يعمل بالبراءة الأصلية إذا وجد دليل السمع فكذلك الإجماع إذا وُجِدَ خلاف.








** الخلاف في الاستصحاب هل هو مصدر من مصادر التشريع :
تقدم معنا في أنواع الاستصحاب أن بعض الأنواع نُقل الإجماع على حجيتها ، وأقواها استصحاب دليل الشرع , فاستصحاب دليل الشرع الصواب أنه مجمع عليه .
وأما باقي الأنواع فــيجري فيها الخلاف الآتي .
ثم إن بعض الباحثين ذكر أن المذاهب الأربعة قد علمت بالاستصحاب على خلاف في مدى الأخذ به فأكثرهم أخذاً هم الحنابلة ثم الشافعية وأقلهم الحنفية وتوسط المالكية .
وأكثر الظاهرية في استعمال هذا الدليل ؛ والذي دعاهم لهذا هو إنكارهم لدليل القياس ، وقد عاب عليهم ابن القيم هذا الإجراء الأصولي إذ كيف تتركون القياس وقد شهدت له العلة ، ثم تحتجون بقياس بدون علة كما هي التركيبة البسيطة للاستصحاب ، حيث يتركب من أصل وفرع وحكم ويخلو من العلة .
والأقوال هـي كالتـالي :
القول الأول : أنه حجة - وهو قول جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية .
القول الثاني : ليس بحجة وهو قول أكثر المتكلمين وبعض الحنفية.
القول الثالث : أنه حجة بالدفع والنفي , دون الثبوت والاستحقاق , وهو قول أكثر متأخري الحنفية .
يعني أنه يمنع خروج الملك من صاحبه ولا يصلح لإثبات وإدخال شيء في ملكه.
مثال : الغائب المفقود : - تطبيق على الرأي الثالث -
الدفع : لا يورث ويستمر ملكه , فاستصحبوا حياته هنا
الإثبات : لا يثبتون له أي استحقاق فلم يستصحبوا حياته في هذا الجانب.
مثال : جواز صلح الإنكار :
الدفع : الإنكار يدفع الدعوى .
الثبوت : الانكار لا يثبت الابطال للدعوى فلذا يصح أن يصالح على الإنكار .
 وعند الشافعية - لا يجوز هذا الصلح ؛ لأن الإنكار يدفع الدعوى ويبطلها أيضاً .

الأدلــــة :
• استدل الجمهور: بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول :
من الكتاب : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ...} الأنعام: ١٤٥. ففيها استدلال بعدم الدليل على نفي الحكم وهذا عين الاستصحاب .
ومن السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الشيطان يأتي على أحدكم فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو ريحاً » فهذا عمل بالاستصحاب.
من الإجماع : أن الفقهاء أجمعوا على أنه لو شك بوجود الطهارة ابتداءً - فلا يجوز له الصلاة هنا بإجماع.
ولو شك في بقائها لجازت إجماعاً .
واجمعوا على أنه لو شك في حصول الزوجية ابتداءً فلا يصح له أن يستمتع ، ولو شك في الطلاق مع سبق العقد يجوز له الاستمتاع إجماعاً .
وقد استصحبنا فيما تقدم الحال الموجود قبل الشك ولو لم نستصحب لخالفنا الإجماع .
من المعقول : أن الأمر الثابت إذا لم يرفعه دليل قطعي ولا ظني فالظن دوام واستمراره والعمل بالظن واجب .
• دليل القول الثاني :
- كما أن الزمن الأول يحتاج إلى دليل فكذلك في الزمن الثاني .
- ولو كان حجة لكانت بينة النفي أقوى من بينة الإثبات ؛ لأنها مؤيدة بالاستصحاب والإجماع منعقد على خلاف ذلك .
- أن الأخذ بالقياس أبطل العمل بالاستصحاب من وجهين :
الأول : لأن القياس أقوى ويسقط الاستصحاب (القياس يرفع حكم الأصل ) ولا يعمل بالأصل إلا عند انتفاء قياس يرفعه ودعوى انتفاء قياس يرفعه لا سبيل إليها لعدم تناهي الأصول التي يقاس عليها ؛ لسعة القياس .
الوجه الثاني : أن الاستصحاب هو التسوية بين الزمنين : الأول والثاني فإن كانت هذه التسوية لجامع فيكتفى بالقياس عنه , وإن كان لغير جامع فلا يصح لأنه تحكمٌ محضٌ وقول في الدين بغير دليل , ولا يصح ذلك .
• دليل القول الثالث : الجمع بين الأدلة .


*******************













مســألــة : هل النافي للحكم يلزمه الدليل ؟
لا خلاف بين الأصوليين أن المثبت للحكم يلزمه دليل «البينة على المدعي» .
- واختلفوا في النافي للحكم هل يلزمه أن يستدل؟
اختلفوا على أقوال
القول الأول : يجب عليه الدليل .
الجمهور واختاره الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وابن حزم من الظاهرية .
القول الثاني : لا يجب مطلقاً :
قول أهل الظاهر إلا ابن حزم وبعض الشافعية ونسب إلى داود الظاهري وقواه الشوكاني فقال : "وهذا القول قوي جداً".

• الأدلة :
• استدل أصحاب القول الأول بالنقول والمعقول :
من المنقول : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم } البقرة: ١١١.
من المعقول :
1/ لأنه مُدَّعي والبينة على المدعي.
2/ لو سقط عن النافي الدليل لضاع الحق بين الخصمين لأن كل واحد منها يعبر عن قوله بالنفي فيقول الأول لا يجوز تركه ويقول الثاني لا يجب فإذا لم يطلبا بالدليل لأدى إلى باطل .
• دليل القول الثاني :
• أن من ادعي عليه دين فأنكر لا يلزمه دليل على براءة ذمته .
الجواب من وجهين :
الأول : لا نسلم أن المدعى عليه ليس عليه دليل ، بل عليه دليل وهو اليمين لكنها أضعف من الشهادة فقدمت الشهادة واكتفي بها من المدعى عليه لرجحان جانبه باليد ؛ لأن يده دليل الملك واحتمال الكذب فيها لا ينفي كونها دليلاً كالشهادة .
الوجه الثاني : لو سلمنا أن اليمين ليست دليل فالرد :
1/ أننا لم نلزم المنكر (المدعى عليه) بالدليل لوجود اليد , والظاهر أن ما في يد الإنسان ملكاً له .
2/ أننا لم نلزم المدعى عليه بالدليل ؛ لأنه عاجز عنه إذ لا سبيل إلى إقامة الدليل هنا على النفي لأن ذلك يوجب على الشاهد أن يكون مع المنكر من أول وجوده إلى وقت الدعوى ويراقب حركاته وسكناته وهذا محال .
3/ اليمين ليست دليلا وأننا لم نلزم المدعى عليه بالدليل لورود النص بذلك وليس ذلك لكونه نافياً.

تنبيه :
قال إمام الحرمين : «القائلون بأن الاستصحاب حجة قالوا: إنه متأخر عن الأدلة ، وهو آخر المتمسكات» أي أضعف الأدلة.
فائدة : الشرع : يثبت الأحكام ، وينفي الأحكام : ونفي الشرع قد يكون بالإجماع كنفي صلاة سادسة أو بالنص كقول النبي صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة » أو بالمفهوم كقول المجتهد لا زكاة في المعلوفة بمفهوم المخالفة للحديث «في سائمة الغنم الزكاة».
والعقل : لا صلاحية له في إثبات الأحكام ، أما النفي : فله الصلاحية ههنا ، وهذا النفي العقلي هو عين دليل الاستصحاب فتأمــل !! .


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

جديد المقالات

موقع أصول الفقه