** الدليل الثاني : السنة النبوية **

المقال

** الدليل الثاني : السنة النبوية **

9151 | 28/09/2009

**
--- وندرسـه من خلال المحـاور التاليـة :
- التعريف .
- إطلاقات السنة .
- حجيتها .
- منزلة السنة من القرآن الكريم .
- تقسيمات السنة .
- حجية خبر الواحد ، وما يفيده .
- الشبه التي إذا لحقت بخبر الواحد أثرت به -عند البعض-
*أولاً: عمل الراوي بخلاف ما روى .
*ثانياً: خبر الواحد المخالف للقياس .
*ثالثاً: خبر الواحد فيما تعم به البلوى


__________________________


**التعــريف :


السنة لغةً: الطريقة والسيرة حسنة كانت أو قبيحة، ومنه قوله  : (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ... ).
واصطلاحاً: ما صدر عن الرسولغير القرآن من قول أو فعل.

- شرح التعريف:
قوله: (ما صدر عن الرسول  ) يُخرِج ما صدر عن غيره، أو ما صدر عنهقبل الرسالة.
قوله: (غير القرآن) يخرج القرآن الكريم، حيث أنه صدر عن النبيعلى سبيل التبليغ عن ربه.
قوله: (من قول أو فعل) يزيد بعضهم (أو تقرير أو هَمّ) وهما داخلان في الفعل، حيث أن التقرير كف عن الإنكار وهو فعل، والهَمّ فعل القلب.

* إطلاقات السنة:
تطلق السنة بإزاء ثلاث إطلاقات:
1- تطلق على ما يقابل البدعة، وهو كل ما دل عليه الدليل الشرعي.
2- تطلق على ما يقابل الوجوب، وهو الندب أو الاستحباب.
3- تطلق على المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهو الحديث النبوي.

* حجيتها:
لا خلاف بين المسلمين في أن السنة المطهرة تعد مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، وأنها حجة يستسقى منها الأحكام، ويجب العمل بها، وهذا مما يعلم من دين الله بالضرورة، فيكفر شرعاً من خالف فيها من حيث الأصل.

* أدلة حجيتها:
1- الكتاب العزيز:
تنوعت النصوص القرآنية في دلالتها على وجوب العمل بالسنة والاحتجاج بها حتى أصبحت دلالتها قطعية، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ}.
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}.
وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}.
وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}.
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}.




2- الإجماع:
حيث أن المستقرئ لحال الصحابةيجد أنهم يوجبون العمل بالسنة، ويتركون العمل بآرائهم المعارضة للأخبار، وقد نقل هذا الإجماع الإمام الشافعي في (الرسالة)، ومسلم في (صحيحه)، وابن عبدالبر في (جامعه)، وابن تيمية.

________

* منزلة السنة من القرآن الكريم:
هي بعد القرآن الكريم في الرتبة، فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع.
- لا يخلو حال السنة مع القرآن من أحد ثلاث حالات:
1- إما أن تكون مطابقة ومقررة ومؤكدة لحكم جاء به القرآن، والفائدة من ذلك تواتر الأدلة الكثيرة على مدلول واحد، كوجوب الحج والصوم، وتسمى السنة المطابقة.
2- وإما أن تكون مفسرة وشارحة ومبينة لحكم القرآن، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، فتأتي موضحة لمجمله أو مخصصة لعامه أو مقيدة لمطلقه، كما في الأحاديث المبينة لكيفية الصلاة، وكما في تخصيص عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} بحديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، ويسمونها السنة البيانية أو المبينة.
3- وإما أن تكون منشئة لحكم جديد ومستقل ليس في القرآن، ككفارة من جامع أهله في نهار رمضان، وكالقضاء بالشاهد واليمين، وتسمى السنة المستقلة.
وأول من أشار إلى هذا التقسيم الإمام الشافعي في (الرسالة).

* تقسيمات السنة:
- يقسمونها باعتبار ذاتها إلى ثلاثة أقسام: (قولية، فعلية، تقريرية).
- يقسمونها باعتبار طرق ورودها إلى قسمين: (متواتر، آحاد)، وزاد الحنفية قسماً ثالثاً وهو (السنة المشهورة)، ومقصودهم بها: ما كانت آحادية في أصل السند (الصحابة)، ثم تواترت فيما بعد الصحابة، ويمثلون له بحديث (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
1- المتواتر:
هو لغةً: المتتابع. واصطلاحاً: ما رواه الجماعة الكثيرون، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس.
- محترزات التعريف:
قوله: (شيء محسوس) أي مدرَك بالحس، كالمسموع والمشاهد، وخرج بهذا القيد ما أُدرِك بالعقل، لأن العادة لا تحيل التواطؤ على الكذب فيما أُدرِك بالعقل، كإدراك اليهود والنصارى.
2- الآحاد (خبر الواحد): هو ما لم يبلغ حد التواتر.

* حجية خبر الواحد وما يفيده:


الجماهير على العمل بخبر الواحد والاحتجاج به ، ولم يخالف ههنا الا من لا يعتد به من أهل البدع ، وردهم له لانه يخالف بدعتهم وهواهم .


* دليل حجية خبر الواحد:
استدلوا (بالكتاب العزيز، والسنة، وإجماع الصحابة  )
فمن الكتاب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فمفهومه يدل على قبول خبر الراوي العدل.
ومن السنة ما تواتر من إرسالهلآحاد الصحابةلتبليغ دين الله تعالى، فلو لم يكن حجة لما اكتفى به النبي  .
وأما إجماع الصحابةفإنه قد تواتر معنوياً في وقائع شتى أن الصحابةكانوا يتركون آراءهم لأجل خبر الواحد.

* تنبيه:
خبر الواحد عند الجمهور يفيد الظن، ولا يفيد القطع إلا إذا حفت به القرائن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو قول الصحابة والتابعين وأهل القرون المفضلة.
وذهب بعض المحققين إلى إفادته القطع مطلقاً، وإلى هذا ذهب بعض الشافعية، وبعض المالكية، وداود الظاهري، وابن حزم، وابن القيم، وغيرهم. وقالوا لو أفاد الظن لما جاز العمل به، لذم الله تعالى من يتبع الظن.
وذهب النووي وجماعة إلى أنه لا يفيد القطع حتى لو احتفت به القرائن، خلافاً للجمهور.


* الشبه التي إذا لحقت بخبر الواحد أثرت به (عند البعض) :
1- الإرسال (الحديث المرسل).
2- إنكار الأصل لرواية الفرع.
3- روايته بالمعنى.
4- كونه من زيادة الثقة.
5- عمل الراوي بخلاف ما روى.
6- كونه فيما تعم به البلوى.
7- كونه مخالفاً للقياس.
8- كونه في الحدود وما يُدرَأ بالشبهات.
- وسنتعرض لثلاث شبه بالتفصيل، وهي: (عمل الراوي بخلاف ما روى، خبر الواحد المخالف للقياس، كونه فيما تعم به البلوى).

_______________

* أولاً: عمل الراوي بخلاف ما روى
لهذه المسألة أحوال:
الحالة الأولى: أن يُعلَم كون عمله المخالف قبل رواية الحديث، وإذا كان كذلك فالظاهر أنه ترك العمل بخلاف الرواية بعدما بلغه الحديث امتثالاً له.
الحالة الثانية: أن يُجهَل التاريخ، فيحمل على أنه قبل الرواية تحرياً لموافقته للسنة.
الحالة الثالثة: أن تكون المخالفة بعد الرواية، ولها صورتين:
1- إذا كان لفظ الحديث يحتمل ما عمله الراوي بضرب من التأويل لم يكن تكذيباً ورداً للحديث من الراوي، كما جاء في حديث ابن عباس  (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) وكان ابن عباسلا يرى قتل المرتدة تأويلاً منه.
2- إذا كانت المخالفة من كل وجه، كفعل ابن عمرفي تركه لرفع اليدين في الصلاة كلها إلا عند تكبيرة الإحرام مع أنه راوي الحديث، فإنهم اختلفوا في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تكون هذه المخالفة قادحة في الحديث، لأن الحجة فيما روى لا فيما رأى، وقولُه المخالِف قد يكون عن اجتهاد منه لفهم النص ولسنا ملزمين باجتهاده.
قال الشافعي رحمه الله: كيف أترك العمل بالحديث بعملِ مَن لو عاصرته لحاججته. أي جاز لي أن أحاججه.
القول الثاني: أن هذا العمل يرد الحديث ويقدح فيه، لأن الظاهر من حال العدل أنه لم يعمل به لأنه يرى أنه منسوخ أو أنه لم يثبت عنده، وعلى كلا الاحتمالين فإنه يبطل الاحتجاج به.


- فروع فقهية مترتبة على الخلاف في هذه المسائل:
1- رفع اليدين: قال مجاهد: صحبت ابن عمرسنين لم يرفع يديه إلا في تكبيرة الإحرام. مع أنه راوي حديث الرفع.
2- النكاح بلا ولي: فعائشة هي راوية حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ) ومع هذا فقد زوجت بنت أخيها عبدالرحمن.
3- غسل الإناء سبعاً لولوغ الكلب: راوي هذا الحديث هو أبو هريرةوهو مع ذلك يرى أن غسله يكون ثلاثاً.
وغيرها من المسائل الفقهية كثير، والله أعلم.

* ثانياً: خبر الواحد المخالف للقياس
- سؤال: إذا خالف خبر الآحاد القياس فهل يصلح أن يكون مانعاً من قول خبر الواحد ؟
الجواب: العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: القبول مطلقاً، وهو قول الجمهور.
القول الثاني: الرد مطلقاً، وهو قول نسب لمالك، ورد هذه النسبة ابن السمعاني :" والمحققون من المالكية يقولون إن مالكا لا يقدم القياس مطلقاً وإنما يقدمه إذا اعتضد القياس بقاعدة عامة قطعية ولم يكن الخبر معتضداً بقاعدة أخرى".
ومثاله: حديث الإمساك عن الطعام في نهار رمضان، فإنه خبر آحاد وقد خالف القاعدة وهي أن الأصل هو الإمساك، فلو أكل نسياناً فإنه يبطل صومه عندهم.
القول الثالث: يقبل خبر الواحد إذا كان الراوي فقيهاً وإلا فلا، وهو قول أبي حنيفة.
- أدلة الجمهور:
1- الأدلة العامة التي دلت على قبول خبر الواحد، وهي لم تفصل بين المخالف للقياس و غير المخالف له.
2- حديث معاذعندما بعثه رسول اللهإلى اليمن، قال معاذ  : أحكم بينهم بكتاب الله ثم بسنة رسول الله ... إلى أن قال: أجتهد رأيي ولا آلو. والشاهد أنه قدم النص على القياس.
3- أن خبر الواحد أكثر إفادة للظن وأقل احتمالاً للخطأ من القياس، وذلك لأن السنة أو خبر الواحد يحتاج إلى ثلاث مقدمات، وهي: (ثبوت الخبر، دلالته على الحكم، وجوب العمل به)، بخلاف القياس فإنه يحتاج إلى مقدمات كثيرة.
- أدلة الأحناف:
أن الصحابة كانوا يردون خبر الواحد بالقياس، ووقع ذلك في وقائع كثيرة منها:
1- قصة ابن عباس مع أبي هريرةعندما روى له حديث غسل اليدين لمن انتبه أو استيقظ من النوم، فقال ابن عباس: فكيف نصنع بمهراسنا.
2- حديث الوضوء مما مست النار، فقد ناقش ابن عباسراوي الحديث فقال: ألسنا نتوضأ بالماء الحميم، فكيف نتوضأ بما منه نتوضأ.
3- ما رواه ابن عمرمن أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقد ردت عائشة هذا الحديث فقالت: كيف والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
- رد الجمهور على الأحناف:
1- أن هذه الاستدلالات معارضة بمثلها، لأنه لا قياس مع خبر الوحي.
2- أن هذه الوقائع ليست مردودة بالقياس:
أ‌- ففي الصورة الأولى لم يعترض ابن عباسإلا للضرورة إلى ذلك، فليس عنده إناء صغير يصب منه على يديه.
ب‌- وأما الصورة الثانية فمنسوخة.
ت‌- وأما حديث (إِنَّ الميِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فهذا لم يُرَد بالقياس، وإنما رُدَّ بالنص بأن قُدِّمَ النص عليه.



- ثمرة الخلاف:
مسألة (المُصَرَّاة)، وهي: الشاة التي يحبس الحليب في ضرعها.
فالحكم الشرعي هو أن مشتريها يردها إلى مالكها، ولكن القياس يخالف ذلك لأن البيع قد تم، ومن المعروف أن رد المثل يكون بمثله، ولهذا قال الأحناف: لا نقبل خبر الواحد إذا خالف القياس، لأنه جاء في الحديث (إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ) فالحديث قد خالف عدة أقيسة منها:
1- أن البيع قد تم.
2- أن الرد يكون برد مثله.
ولكن يجاب عليهم أن النبيإنما نص بقوله (وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ) لأن التمر مشابه للحليب، وقيل لأنه كان قوت أهل المدينة، فهذا هو وجه القياس، والله تعالى أعلم.


* ثالثاً: خبر الواحد فيما تعم به البلوى
- صورته:
قال الزركشي: أي أن كل واحد يحتاج إلى معرفته ويشتهر بين الناس عادة.
- سؤال: فهل يقبل خبر الواحد إذا كان مما تعم به البلوى ؟
الجواب: اختلف فيه أهل العلم على قولين:
القول الأول: يقبل، وهو قول الجمهور.
القول الثاني: يرد، قال به الكرخي من متقدمي الحنفية وهو قول جميع متأخري الحنفية.
- أدلة الجمهور:
1- أن الصحابة اتفقوا على قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى، وجاء ذلك في وقائع منها:
أ‌- قصة الأنصار عندما كانوا يصلون العصر إلى بيت المقدس فجاء رجل وهو عباد بن بشر فشهد أن النبيقد أُمِرَ أن يتوجه من بيت المقدس إلى الكعبة ... فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة.
ب‌- قبولهم خبر عائشة في الغسل إذا مس الختانُ الختانَ.
ت‌- قول ابن عمر  : كنا نخابر أربعين سنة حتى روى لنا رافع بن خديجأن النبينهى عن ذلك فانتهينا.
2- قالوا ولأنكم تقبلون القياس فيما تعم به البلوى، فقبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى من باب أولى.
- أدلة الحنفية:
قالوا إن العادة تقتضي استفاضة نقل ما تعم به البلوى.
ومن أمثلتهم مس الذكر، فلو كان مما تنتقض به الطهارة لأشاعه النبيولم يقتصر على مخاطبة الآحاد، بل يلقيه إلى عدد التواتر أو الشهرة مبالغة في إشاعته، لئلا يفضي إلى بطلان صلاة كثير من الأمة من غير شعور به، فلما لم ينقله إلا واحد مع توفر الدواعي إلى نقله دل ذلك على كذب الراوي، أو غفلته، أو نسخ ما رواه.
- رد الجمهور على الأحناف:
قالوا ولكن يرد على الحنفية أنهم عملوا بخبر الواحد في بعض الصور، فينطبق ذلك على جميع أخبار الآحاد، كما في حديث الوضوء من القصعة، وكنقض الوضوء بالرعاف وبالقيء، واستدلوا بحديث ضعيف رواه ابن ماجه وضعفه الألباني في (سنن ابن ماجه) (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قلس أَوْ مَذِيٌّ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأ).

جديد المقالات

موقع أصول الفقه