القائمة الرئيسية
الزوار
يتصفح الموقع حالياً 40
تفاصيل المتواجدون
احصائية الزوار
الأدب الثالث : ((اللين والتلطف ...))
المقال
الأدب الثالث : ((اللين والتلطف ...))
الأدب الثالث :
اللين والتلطف وعدم الإغلاظ بالقول وعدم التعرض لعرض المخالف .
فالخلاف لا ينبغي أن يكون ذريعة للنيل من عرض المخالف والطعن فيه ، والهمز واللمز ، أو الإغلاظ عليه بالقول .
قال تعالى : (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ))
وقال تعالى : ((وقولوا للناس حسناً )) (( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ))
وما تقدمت الإشارة إليه من المداراة والملاطفة دليل على أن هذا الأدب من الآداب التي ينبغي مراعاتها ، فعلى الناظر للخلاف تجنب الطعن والهمز واللمز للمخالف وعدم السماح للطعن فيه في حضرة الناظر ، وأعلى من هذين الأمرين الإحسان والتلطف مع المخالف ، ولكل واحد من هذه الثلاثة نماذج تدعمه وتؤكده من سيرة الرعيل الأول والسلف الصالح ، وفيما يلي بيانها :ـ
* فالصحابيان الجليلان المجاهدان : سعد بن أبي وقاص ، وخالد بن الوليد ـ رضي الله عنهم ـ وقع بينهم خلاف واختلاف ، فجاء رجل إلى سعد فأخذ يقع في خالد عند سعد فقال له سعد : مه ـ أي كف ـ إن ما بيننا لم يبلغ ديننا )) <معالم ص105 > .
فما أعظم هذا الأدب من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إن هذا الرجل أراد أن يتشفى بالقدح من خالد لما علم المشادة والخلاف بينه وبين سعد فزجره سعد وأعطى الأمة درساً أن الخلاف لا يصل إلى تجاوز الحدود الشرعية في الدين ، ولا يصل إلى القدح والتشفي من عرض أخيه المسلم .
* وعبد الله بن البارك مع أنه من مدرسة الأثر ، ويخالف كثيراً مدرسة الرأي وإمامها أبا حنيفة رحمه الله ، إلاّ أنه في مرّة من المرات تُعُرّض لأبي حنيفة في حضرة ابن المبارك فقال ابن المبارك للطاعن :
يـا نـاطـح الـجـبل الـعالي لتوهنـه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل .
* وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لما جاءه رجل يبشره بموت أحد أشد وألدّ خصومه ضانا أن شيخ الإسلام سيفرح بهذا فزجره شيخ الإسلام ونهره وقال : أتبشرني بموت مسلم !!
هذا لا يرضى به الله ، ولا من كان فيه حب للإسلام والمسلمين))
فرحم الله هذا العالم الذي تشبع قلبه من حب الإسلام وأهله والعمل على ما يرضي الله تعالى .
* ومن تلبيس إبليس على المخالف ما نبه عليه ابن الجوزي :ـ
(( .... ومن ذلك : ترخصهم في الغيبة بحجة الحكاية عن المناظرة ، فيقول أحدهم : تكلمت مع فلان فما قال شيئاً !!
ويتكلم بما يوجب التشفي من عرض خصمه بتلك الحجة )) <تلبيس إبليس ص 120> .
* ومن ذلك ما قعده الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز عندما سئل عن الاختلاف الذي وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم في صفين فقال : ((تلك دماء كف الله عنها يدي لا أريد أن ألطخ بها لساني )) فرضي الله عن الصحابة أجمعين وجزى عنا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ففي سورة الحشر لما ذكر الله المهاجرين ثم الأنصار ذكر بعدهما : (( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا )) فالغل والحقد هو الباعث على الطعن والشتم والوقيعة في الناس غالباً .
ومثال الإحسان إلى المخالف والإحسان هو قمة الأدب مع المخالف وأعلى درجاته . قال تعالى : (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) فقال التي أحسن ولم يقل بالحسنة ، فمن ذلك :ـ إضافة إلى ثناء ابن المبارك على أبي حنيفة ووصفه له بالجبل العالي ـ وقد تقدم ـ
* أن الإمام أحمد جاءه علي بن المديني راكباً على دابته فتناظرا في الشهادة ، وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفاء ـ كما يقول الراوي ـ فلما أراد علي الانصراف قام الإمام أحمد فأخذ بركابه )) فما أعظم هذا التعامل من هذا الإمام ، ورحمهما الله تعالى رحمة واسعة على هذا الخلق القويم ، البعيد عن الأهواء والأعراض
* ومنه أن شيخ الإسلام لما توفي ذلك الخصم ذهب إلى أولاده وأهل بيته وقال : اعتبروني مكان والدكم ، فأبعد عن نظر أهله ما قد يتوهم من أن الخصومة ستتابع إلى ذريته فرحمه الله ورحم علمائنا الراسخين الربانيين .
* وهذا إمامنا المبجل أحمد بن حنبل يثني على أحد العلماء مع ما بينهما من الاختلاف ـ والثناء من أعظم الإحسان ـ فيقول :ـ
(( لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه وإن كان يخالفنا في أشياء ، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً )) < سير أعلام النبلاء :11/ 371 >